نص الاستشارة:
فضيلة الشيخ أنا شاب في الرابعة والعشرين من العمر، متخرج من كلية الشريعة، أميل إلى ممارسة الدعوة إلى الله.. وقد حاولت محاولات حثيثة في هداية من حولي... أعاني من عدم استجابة الآخرين مما يدفعني للإحباط والتقوقع على الذات... أشعر بعدم القدرة على تحقيق أهدافي أحيانا كثيرة.. بماذا تنصحني؟
الرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الدعوة إلى الله أمرها عظيم وشرفها لا يعلمه إلا من قال في شأنها: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.
والدعوة إلى الله هي مهنة الأنبياء ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، وغير خاف عليك أيها الأخ الكريم ما أصاب الأنبياء من أذى قومهم وما كانوا عليه من الصبر والجلد وذلك بسبب كمال معرفتهم بحقوق خالقهم، وشدة خوفهم على أقوامهم.
ومع كل ذلك فقد كان الواحد منهم يمكث الأزمنة الطويلة ولا يؤمن معه إلا قلة من قومه، بل إن بعضهم لم يؤمن به أحد ممن أرسل إليهم ولا يعد ذلك قدحا فقد امتثلوا أمر الله وقدروه حق قدره، وقد أوذي حبيبنا صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء فصبر وجاهد، وتبعه صحبه الكرام ثم من سار على نهجهم من سلفنا الصالح حتى وصل الدين إلينا غضًّا طريًا لا يخالطه شيء من أمور أهل الجهل والضلال، ومما يعين الداعي إلى الله على الصبر ما يلي:
الإخلاص في القول والعمل والبعد عن حب الشهر والجاه، مع الحرص الأكيد على هداية الناس وإرشادهم للتي هي أقوم في دينهم ودنياهم.
على الداعي إلى الله أن يتسلح بالعلم النافع المعزز بالعمل الصالح... فالدعوة بالقدوة أبلغ من ألف خطبة وكتاب ومطوية.
البصيرة والتفقه في الدين من أهم الأسلحة التي يتوجب على الداعية التزود بها: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.
تذكر دائما أن طريق الدعوة محفوف بالمكاره ومن سار فيه عليه أن يكون مستعدا لتلقي الأذى من الناس... وهو مطالب بأن يكون رحيمًا بالناس كثير التجاوز عن زلاتهم غير وقاف عند أخطائهم.
نهي الناس عن المنكر لابد أن يتبعه بعض الإيذاء منهم... قال تعالى على لسان لقمان حين وعظ ابنه: {وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك}. فرتب الأذية المستوجبة للصبر على النهي عن المنكر... وهذا من اللطائف العجيبة في القرآن الكريم.
القراءة الواعية لسير الدعاة الذين صبروا على أذية الناس وجاهدوهم بالحق حتى تحقق هدفهم في تعبيد الناس لله رب العالمين.
يجب على الداعية أن يكون رحيما بالناس حريصًا على مصالحهم متجاوزا عن أخطائهم وزلاتهم.. كثير الشفقة عليهم.. يسأل عنهم ويتفقد أحوالهم، ويقف معهم عند الحاجة وعند عروض النائبات.
متى استشعرت كل ذلك واستحضرته سهل عليك ما تقدمه من تضحيات على طريق الدعوة إلى الله عز وجل.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
المصدر: موقع رسالة المرأة.